Quantcast
Channel: المجلة »التاريخ
Viewing all articles
Browse latest Browse all 24

التاريخ في مشيئة الجغرافيا.. مصر والعراق وسوريا

0
0
نهر النيل

نهر النيل

كل مدينة تجر خلفها تاريخا عريقا هي مدينة باركتها يد الجغرافيا، والإنسان في رحلته الطويلة على الأرض خضع دائما لمشيئة المكان، عن دمشق والقاهرة وبغداد، إحدى أثرى وأعمق المدن تاريخا في الشرق الأوسط، 3 عواصم شكلت للإنسان بيتا باختلاف العصور والأزمنة، كل مدينة منها شق صدرها نهر فنبت لها قلبان، يمرض واحد فينبض الثاني كمولّد حياة احتياطي، يضع الموت رسالته العدمية في هذه المدن، يصيبها بالحروب والفقر والمرض ونوائب الدهر من كل أطرافها لكنه لا يتفشى بها ولا يقطع إيمان الناس بأرضها، امتثال التاريخ لمشيئة الجغرافيا، هذا هو الدرس الذي يمكن أن نتعلمه من خلود هذه المدن وأبديتها.

الأرض المزهرة

سماها الآشوريون دَمَشْقا، بينما كان الآراميون يسمونها ديماشقو أو دا مشقا، وبينما تذهب بعض الروايات التاريخية إلى أن المعنى هو الأرض المزهرة لخصوبة أرضها، تذهب روايات أخرى غير محققة وتأخذ الطابع الشعبي الخرافي إلى أن اسم المدينة مركب من مفردتين، دم وشقى، أي سقى بالدم في دلالة عن أول جريمة في التاريخ حدثت في هذه المدينة، التي قتل فيها قابيل (قايين) أخاه هابيل، ويؤكد بعض الباحثين أن دمشقا بمعنى الحديقة الغناء قد وردت بالهيروغليفية في آثار تل العمارنة بمصر، ومهما اختلف الأصل في المعنى فإن دمشق تحمل من اسمها نصيب المكان، يؤمن أهلها أنها أقدم عاصمة في العالم، وفي الحقيقة التاريخية شهدت بعض الحفريات الأثرية على وجود أدوات وآثار للإنسان الحجري فيها.
نهر بردى الذي يصب عروقه في أرضها جعل منها مدينة عامرة بالخير والحياة على مر القرون والسنين، كل الحضارات التي قامت في هذه المنطقة منذ الفينيقية وحتى الأموية عرفت قيمة دمشق، وجعلت منها رمزا للقوة والمجد، كل سلطة عرفت أن ميلادها أو موتها معلق بحكم دمشق، من يعتلِ قاسيون فحكمه بالناس قائم، ومن يسقط عن رأسه تذهب به الأيام ولا يعود.

قا هي رع

«قا هي رع» هكذا كان قدماء المصريين ينطقون القاهرة، أي أن القاهرة التي تعرف كثيرا بالتاريخ الإسلامي أنها المدينة التي تقهر أعداءها، لها أصل أسبق في اللغة الهيروغليفية، لغة قدامى المصريين، وكانت قا تعني الشبيه، أما هي فتعني النعيم والجنة، والقسم الأخير رع فهو بمعنى الشمس، بينما في تحقيق آخر يقول سامح مقار ناروز مؤلف كتاب اللهجة العامية وجذورها المصرية، أن القاهرة قديما كانت تسمى «كاهي رع» بمعنى موطن الإله رع، وباختلاف الرأيين، فإن القاهرة دائما لها معنى الجنة، لأنها أحد أول مواطن الحياة لإنسان هذه الأرض.
ومن ينزل هذه الجنة على طرفي النيل سيعرف طريقه إلى عين شمس (أون)، التي تقع في شمال قاهرة اليوم، والتي كانت تسمى هليوبوليس عند الإغريق، بينما في جنوبها حيث قرية «ميت رهينة» كانت تعيش من نفر، ويعتقد أن الإغريق حرفوها إلى ممفيس، هم الذين يسمونها أيضا مدينة الألف باب، لقد تعاقبت الشعوب على هذه القطعة من الأرض آلاف القرون، اكتسبت فيها مئات الأسماء، ورسمتها آلاف الملامح العمرانية، وظلت رغم جنون البشر وغضب الطبيعة عنوانا ثابتا للحياة وبيتا للملايين من سكان هذا الكوكب، لقد أراد النيل لهذه القطعة من الأرض أن تصير جنة الناس، وطالما كان للماء إرادة الخير.

مدينة السلام

سماها الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور مدينة السلام تيمنا بالجنة، لكن بغداد بالأصل قرية عاش فيها البابليون قبل الميلاد بقرون، لقد وردت باسم «بجدادا» في لوح سبار الذي يرجع تاريخه إلى القرن الثامن عشر قبل الميلاد، أي الفترة التي شهدت حكم حمورابي، أما في الوثيقة التي ترقى لزمن الآشوريين سنة 728 قبل الميلاد، فقد ذكرت باسم «بغدادو».

نهر الفرات

نهر الفرات

وعن لفظ الكلمة في اللغة الفارسية، فهي مركبة من مفردتين؛ باغ بمعنى البستان، وداد بمعنى العدل، ويرى الأغلب أن داد تعني الحبيب لا العدل، وبينما يفضل معظم الباحثين المعاصرين أن معنى بغداد كان هبة الله، يرى دارسون آخرون أنها كانت بمعنى عطية الصنم.

هي بغداد إذن، مدينة في كبد التاريخ لكنها هبة الجغرافيا، يشقها النهر الخالد دجلة لفصين؛ الكرخ والرصافة، ابتلعت أرضها خمس حضارات وظلت هي حية لا تموت، المدينة التي ذاق نعيمها سومريون وآشوريون وبابليون وكلدانيون وعباسيون، انطلقت من قوسها سهام الحرب والفكر والفلسفة والسياسة والفن، وأصيبت بالدمار والقتل والجوع والوباء، لكنها استعصت على العدم وأعطت البشر درسا أول في الخلود.

كان المؤرخ اليوناني قبل ألفي عام يقول إن القاهرة هي هبة النيل، لأن النيل واسمه القديم نيالوس هو النهر العظيم الذي كتب الحياة لهذه المدينة، أما بردى فكان الإغريق يسمونه بنهر الذهب، لكن المؤرخ الإسلامي ابن عساكر كان يقول إن الاسم القديم للنهر هو باراديوس بمعنى نهر الفردوس، كما أن دجلة في اللغة الآشورية كانت تعني النهر عالي الضفتين بينما الكلدانيون كانوا يسمونها ايديجلات، بمعني النمر الحالي، كتوصيف لطغيان فيضانه المفاجئ.
كتب الماء مصير هذه المدن التاريخية، فالمياه سر الوجود ودونها تفنى الحياة، هي مقدسة لدى الديانات القديمة وشعوبها، فمعظم حضارات ما قبل التاريخ قامت على ضفاف الأنهار، بردى والنيل ودجلة هي المحابر التي دونت أحد أقسى وأزهى عصور التاريخ الإنساني، أحيت الأشجار والحيوانات وبني آدم، الأنهار كانت رمز التأمل والإيمان ونواة البعث والإحياء وروح الحضارة، تعاقب عليها الزمان بالنعيم والشقاء، بالخير والشر، بالسلام والحرب، بالخوف والأمان، وظلت عنوان أبديا للحياة على الأرض.

The post التاريخ في مشيئة الجغرافيا.. مصر والعراق وسوريا appeared first on المجلة.


Viewing all articles
Browse latest Browse all 24

Latest Images

Trending Articles





Latest Images